إدارة الشئون الفنية
وإن تطيعوه تهتدوا

وإن تطيعوه تهتدوا

05 يناير 2024

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 23 من جمادى الآخرة 1445هـ الموافق 5 / 1 / 2024م

]وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102]، وَاعْتَصِمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَلَقَدِ امْتَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ وَالْمَكْرُمَاتِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمِنَنِ وَأَجْلَى النِّعَمِ: بِعْثَةُ الرَّسُولِ الْأَمِينِ، وَسَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ]لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[ [آل عمران:164]، أَرْسَلَهُ اللَّهُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فَهَدَى بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَعَلَّمَ بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا.

أَعْلَى اللَّهُ مَكَانَتَهُ، وَأَوْجَبَ عَلَى الْعِبَادِ حُبَّهُ وَمُتَابَعَتَهُ، وَأَمَرَ بِتَقْدِيمِ سُنَّتِهِ وَالتَّحَاكُمِ لِشَرِيعَتِهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[ [الحجرات:1]، وَقَرَنَ طَاعَةَ رَسُولِهِ بِطَاعَتِهِ وَجَعَلَهَا سَبَبًا لِلْفَوْزِ بِرَحْمَتِهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ]وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[ [آل عمران:132]، وَجَعَلَ طَاعَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطًا فِي الْإِيمَانِ وَبُرْهَانًا عَلَى حُسْنِ الْإِسْلَامِ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [الأنفال:1]، وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا طَاعَتَهُ فِيمَا أَمَرَ، وَاجْتِنَابَ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ] وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[ [الحشر:7]، وَحَذَّرَ سُبْحَانَهُ مِنْ تَرْكِ سُنَّتِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ؛ فَقَالَ: ] فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ [النور:63]، وَرَبَطَ الْهُدَى بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ فِي دِينِهِ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ] وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا[ [النور:54]، فَمُتَابَعَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانٌ، وَسُلُوكُ سَبِيلِهِ نَجَاةٌ وَبُرْهَانٌ، وَالتَّمَسُّكُ بِسُنَّتِهِ دَلِيلٌ عَلَى سَلَامَةِ الْإِيمَانِ.

عِبَادَ اللهِ:

وَلَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ وَالْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ؛ يَقْتَدُونَ بِنَبِيِّهِمْ فِي سُنَّتِهِ، وَيَتَعَبَّدُونَ اللَّهَ بِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَشِرْعَتِهِ، فَكَانُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ - لِهَدْيِهِ مُتَّبِعِينَ وَلِآثَارِهِ مُقْتَفِينَ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لِلرُّكْنِ – أَيِ: الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ -: (أَمَا وَاللهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ ‌حَجَرٌ، ‌لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ)، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ قَالَ: (فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ، إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللهُ)، ثُمَّ قَالَ: (شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: (مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ؛ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ، مُذْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا، فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ) [مُتَّفَق عَلَيْهِ].

إِنَّ اتِّبَاعَ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى الْحُبِّ، وَسَبِيلٌ إِلَى غُفْرَانِ الذَّنْبِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: )قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ [آل عمران:31]، فَمَحَبَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكُونُ بِالِادِّعَاءِ، بَلْ بِحُسْنِ الْمُتَابَعَةِ وَالِاقْتِدَاءِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ الْقَادِحَةِ فِي اتِّبَاعِهِ، وَالْقَضَايَا الْفَاضِحِةِ لِمُدَّعِي مَحَبَّتِهِ وَامْتِدَاحِهِ: الْإِحْدَاثَ فِي دِينِهِ، وَمُخَالَفَةَ سُنَّتِهِ وَسَبِيلِهِ؛ قَالَ إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- : ( مَنِ ابْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَانَ الرِّسَالَةَ)، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [ [المائدة:3].

فَالْبِدَعُ وَالْإِحْدَاثُ فِي الدِّينِ مِنْ أَشَدِّ الْأُمُورِ خَطَرًا وَأَعْظَمِهَا ضَرَرًا؛ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ؛ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ يُتَابُ مِنْهَا، وَالْبِدْعَةُ لَا يُتَابُ مِنْهَا)، فَمَنْ أَحَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ سُنَّتَهُ وَكَرِهَ الِابْتِدَاعَ فِي دِينِهِ وَمِلَّتِهِ.

فَالْبِدَعُ شَأْنُهَا خَطِيرٌ؛ إِذْ إِنَّهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ تَزْدَادُ وَتَنْتَشِرُ وَتَفْشُو بَيْنَ النَّاسِ؛ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: (وَاللَّهِ لَتَفْشُوَنَّ الْبِدَعُ حَتَّى إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ قَالُوا: تُرِكَتِ السُّنَّةُ)، فَطُوبَى لِمَنْ تَمَسَّكَ بِالسُّنَّةِ عِنْدَ انْتِشَارِ الْبِدْعَةِ، وَاعْتَنَى بِحُسْنِ الِاتِّبَاعِ عِنْدَ فُشُوِّ الِابْتِدَاعِ، وَدَافَعَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَنَشَرَ مَا صَحَّ مِنْ فَضَائِلِهِ وَحَدِيثِهِ، وَأَحَبَّ أَهْلَ سُنَّتِهِ وَمِلَّتِهِ، وَجَفَا أَهْلَ مُخَالَفَتِهِ وَمُجَانَبَةِ شَرِيعَتِهِ.

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

إِنَّ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ تَعْظِيمَ سُنَّتِهِ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَلْسُنِ، وَالدِّفَاعَ عَنْهَا بِكُلِّ سَبِيلٍ وَوَسِيلَةٍ، وَعَدَمَ مُعَارَضَتِهَا بِرَأْيٍ أَوْ فِكْرٍ؛ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (كَانَ السَّلَفُ الطَّيِّبُ يَشْتَدُّ نَكِيرُهُمْ وَغَضَبُهُمْ عَلَى مَنْ عَارَضَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْيٍ أَوِ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِحْسَانٍ أَوْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَيَهْجُرُونَ فَاعِلَ ذَلِكَ، وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَضْرِبُ لَهُ الْأَمْثَالَ، وَلَا يُسَوِّغُونَ غَيْرَ الِانْقِيَادِ لَهُ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّلَقِّي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ).

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْبَصْرِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ‌عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي رَهْطٍ مِنَّا، وَفِينَا بُشِيرُ بْنُ كَعْبٍ، فَحَدَّثَنَا ‌عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ«، فَقَالَ بُشِيرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ، أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ، وَمِنْهُ ضَعْفًا، فَغَضِبَ ‌عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ، وَقَالَ: أَلَا أُرَانِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُعَارِضُ فِيهِ. [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وَعَنْ قَتَادَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ: حَدَّثَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلًا بِحَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: (قَالَ فُلَانٌ : كَذَا وَكَذَا )، فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: (أُحَدِّثُكُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ كَذَا وَكَذَا، لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا).

هَكَذَا كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، تَشْتَدُّ غَيْرَتُهُمْ عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ، فَيُوَالُونَ مَنْ أَحَبَّهَا وَنَصَرَهَا وَاعْتَنَى بِهَا، وَيُعَادُونَ مَنْ عَادَاهَا وَخَذَلَهَا وَحَرَّفَ فِيهَا، فَالدِّينَ عِنْدَهُمْ تَوْحِيدٌ وَاتِّبَاعٌ، وَالشَّرُّ كُلُّ الشَّرِّ فِي الشِّرْكِ وَالِابْتِدَاعِ؛ عَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا أَلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ]، فَاللَّهَ اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ فِي التَّمَسُّكِ بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ، اتَّبِعُوهَا وَاسْلُكُوا سَبِيلَهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدِثَةٍ بِدْعَةٌ.

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذَّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَأَتُوبُ إِلَيْه؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[ [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ اتِّبَاعِهِ : مَحَبَّةَ دِينِهِ؛ وَالِافْتِخَارَ بِالتَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ، وَرَفْعَ الرَّأْسِ بِالتَّدَيُّنِ بِشَرِيعَتِهِ وَمِلَّتِهِ، وَالْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ دِينٍ لَيْسَ مِنْ دِينِهِ، فَهُوَ الدِّينُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ دِينًا سِوَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ [آل عمران:85]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَمِنْ لَوَازِمِ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ وَتَرَكُ الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تُخَالِفُ هَدْيَهُ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِمَا أَبَاحَهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ؛ فَدِينُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ دِينُ فُسْحَةٍ وَسَمَاحَةٍ؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ« [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ؛ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [ [التحريم:6].

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ، وَانْتَقِمْ مِنَ الصَّهَايِنَةِ الْمُجْرِمِينَ، وَرُدَّ الْأَقْصَى الْجَرِيحَ إِلَى حَوْزَةِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ كُنْ لِأَهْلِنَا فِي فِلَسْطِينَ نَاصِرًا وَمُعِينًا، احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ، وَأَيِّدْهُمْ بِتَأْيِيدٍ مِنْ عِنْدِكَ، وَرُدَّ كَيْدَ أَعْدَائِهِمْ فِي نُحُورِهِمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الْحقِّ وَالتَّقْوَى، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ، وَانْفَعْ بِهِمُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني